الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)
.الْوِلَايَةُ الثَّانِيَةُ: الْوِزَارَةُ: فَائِدَةٌ: فِي اشْتِقَاقِ الْوَزِيرِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مِنَ الْوَزَرِ بِتَحْرِيكَ الزَّايِ الْمَنْقُوطَةِ وَهُوَ الْمَلْجَأُ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {كلا لَا وزر} وَمَلِكٌ يُلْجَأُ إِلَيْهِ أَوْ مِنَ الْأَزْرِ لِقَوْلِهِ تعإلى {اشْدُد بِهِ أزري} أَوْ مِنَ الْوَزْرِ وَهُوَ الظَّهْرُ لِأَنَّهُ يَقْوَى بِالْوَزِيرِ كَقُوَّةِ الْبَدَنِ بِالظَّهْرِ. .الْإِمَارَةُ الثَّالِثَةُ الْإِمَارَةُ عَلَى الْبِلَادِ: .الْولَايَة الرَّابِعَة ولَايَة الْجِهَاد: .الْوِلَايَةُ الْخَامِسَةُ الْقَضَاء: الْبَحْثُ الْأَوَّلُ فِي الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُقدمَات يجب أَن لَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ مَنْ طَلَبَهُ وَإِنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ مَخَافَةَ أَنْ يُوكَلَ إِلَيْهِ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا لَا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ إِقَامَةُ الْحُكْمِ لِلنَّاسِ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ فَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ إِنْ كَانَ أَهْلًا أَوْ يُقِيمَ لِلنَّاسِ مَنْ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْضِعِ وَلِيُّ أَمْرٍ كَانَ ذَلِكَ لِذَوِي الرَّأْيِ وَالثِّقَةِ فَمَنِ اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصْلُحُ أَقَامُوهُ وَمَتَى كَانَ بِالْبَلَدِ عَدَدٌ يَصْلُحُونَ فَقَامَ وَاحِدٌ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا وَاحِدٌ يَصْلُحُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وُجُوبًا الدُّخُولُ فِيهِ وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ وَقَالُوا يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إِجْبَارُهُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي ضَبْطِ مَصَالِحِ الْمِلَّةِ. فرع: قَالَ الشَّافِعِيَّةُ يَجُوزُ انْعِقَادُ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ كَالْوَكَالَةِ وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ قَالُوا فَإِنْ كَانَ التَّقْلِيدُ بِاللَّفْظِ مُشَافَهَةً فَالْقَبُولُ عَلَى الْفَوْرِ لَفْظًا كَالْإِيجَابِ وَفِي الْمُرَاسَلَةِ يَجُوزُ التَّرَاخِي بِالْقبُولِ قَالُوا وَفِي الْقبُول بِالشُّرُوعِ فِي النَّظَرِ خِلَافٌ وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِي الْجَوَازَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا فِي النَّفْسِ. فرع: قَالَ الشَّافِعِيَّةُ إِذَا انْعَقَدَتِ الْوِلَايَةُ لَا يَجِبُ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي النَّظَرُ حَتَّى تَشِيعَ الْوِلَايَةُ فِي عَمَلِهِ لِيُذْعِنُوا لِطَاعَتِهِ وَهُوَ شَرْطٌ أَيْضًا فِي وُجُوبِ الطَّاعَةِ وَقَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ تَقْتَضِي مَا قَالُوهُ فَإِنَّ التَّمَكُّنَ وَالْعِلْمَ شَرْطَانِ فِي التَّكْلِيفِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ غَيْرِنَا فَالشَّيَاعُ يُوجِبُ الْمُكْنَةَ لَهُ وَالْعلم لَهُم. فرع: قَالَ الشَّافِعِيَّةُ تَجُوزُ الْوِلَايَةُ عَلَى شَخْصٍ معِين فَيحكم بَينهمَا كَمَا تساجرا أَوْ يَوْمًا وَاحِدًا فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَتَزُولُ وِلَايَتُهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ فِي كُلِّ يَوْمِ سَبْتٍ فَإِذَا خَرَجَ يَوْمَ السَّبْتِ لَمْ تَبْطُلْ وِلَايَتُهُ لِبَقَائِهَا عَلَى أَمْثَالِهِ وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِي جَمِيعَ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ إِذَا وُلِّيَ قَاضٍ كُتِبَ لَهُ تَقْلِيدٌ يُؤْمَرُ فِيهِ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَطَاعَتِهِ وَالتَّثَبُّتِ فِي الْقَضَاءِ وَمُشَاوَرَةِ الْعُلَمَاءِ وَتَصَفُّحِ أَحْوَالِ الشُّهُودِ وَتَأَمُّلِ الشَّهَادَاتِ وَحِفْظِ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْقِيَامِ بِأُمُورِهِمْ وَالنَّظَرِ فِي الْأَوْقَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُفَوَّضُ إِلَيْهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ دُسْتُورًا يَعْلَمُ بِهِ مَا يُقَلَّدُهُ فَيَعْمَلُ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ وَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لِأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ كِتَابًا وَخَتَمَهُ بِخَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَمَّارًا أَمِيرًا قَاضِيًا وَوَزِيرًا فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا فَقَدْ آثرتكم بِهِ المبحث الثَّانِي فِي الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ وَهِيَ التَّحْكِيمُ وَفِي الْجَوَاهِرِ جَائِزٌ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا فَلَا يُقِيمُ الْمُحَكِّمُ حَدًّا وَلَا يُلَاعِنُ وَلَا يَحْكُمُ فِي قِصَاصٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ وَضَعْفِهَا وَهَذِهِ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ تَحْتَاجُ إِلَى أَهْلِيَّةٍ عَظِيمَةٍ إِلَّا وُلَّاةُ الْأُمُورِ غَالِبًا وَآحَادُ النَّاسِ فَأَمْلَسَ النّظر عَن ذَلِكَ وَبِجَوَازِ التَّحْكِيمِ قَالَ الْأَئِمَّةُ لِمَا فِي النَّسَائِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأبي شريخ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ قَالَ إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ بِحُكْمِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْسَنَ هَذَا فَمَنْ أَكْبَرُ وَلَدِكَ قَالَ شُرَيْح قَالَ فَأَنت أبوشريح وَعنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَرَاضَيَا فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مَلْعُونٌ وَهُوَ دَلِيلُ الْجَوَازِ وَالْإِلْزَامِ وَإِلَّا لَمَا لُعِنَ لِأَنَّ لَهُمَا تَرْكَ حُكْمِهِ إِذا كَانَ جورا وتحاكما عمر وَأبي أبي زَيْدٍ وَحَاكَمَ عُمَرُ أَعْرَابِيًّا إِلَى شُرَيْحٍ قَبْلَ أَنْ يُوَلِّيَهُ وَتَحَاكَمَ عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَجُبَيْرُ بْنُ مطعم وَلم يَكُونُوا قُضَاة وَلَا فَقَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا خَلِيفَتَانِ فَإِذَا حَكَّمَا أَحَدًا صَارَ قَاضِيًا لِأَنَّا نَقُولُ الرِّضَا بِالصُّورَةِ الْخَاصَّةِ لَا يَصِيرُ بِهَا أَحَدٌ قَاضِيًا وَقَالَ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ لَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ وَقَالَ ح إِنْ خَالَفَ رَأْيَ قَاضِي الْبَلَدِ لَهُ نَقْضُهُ وَبِالْأَوَّلِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَنَا الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَالْقِيَاسُ عَلَى قَاضٍ آخَرَ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ فَيَنْدَرِجُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْفوا بِالْعُقُودِ} وَعِنْدَ ش وَابْنِ حَنْبَلٍ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ فِي أَرْبَعَةٍ النِّكَاحُ وَاللِّعَانُ وَالْقَصَاصُ وَالْقَذْفُ وَيَجُوزُ فِيمَا عَدَاهَا وَمَنَعَ ح فِي الْحُدُودِ. تَنْبِيهٌ: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَقُولُونَ إِذَا حَكَّمَ الرَّجُلَانِ رَجُلًا وَلَا يُنْكَرُ شَرَائِطُهُ وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ صَلَاحِيَتُهُ لِلْقَضَاءِ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ إِذَا حَكَّمَ الرَّجُلَانِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ قَالَ اللَّخْمِيُّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ أَوْ عَامِّيًا لِيَسْتَرْشِدَ الْعُلَمَاءَ فَإِنْ لَمْ يسترشدهم لم يجر حُكْمُهُ وَيُرَدُّ وَإِنْ وَافَقَ قَوْلَ قَائِلٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِرْشَادِ مُخَاطَرَةٌ فَتُرَدُّ الْمُعَامَلَاتُ وَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَمَالِكِيَّا وَلَمْ يَخْرُجْ بِاجْتِهَادِهِ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ لَزِمَ حُكْمُهُ وَإِنْ خَرَجَ وَالْخَصْمَانِ مَالِكِيَّانِ لَمْ يَلْزَمْهُمَا لِأَنَّهُمَا إِثْمًا حَكَّمَاهُ لِيَحْكُمَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيَّانِ وَالْحَنَفِيَّانِ وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ مُرَادَهُ بِالِاجْتِهَادِ الِاجْتِهَادُ فِي مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ لَا الِاجْتِهَادُ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَمُطَرِّفٌ إِذَا حَكَّمَ أَحَدُ الْمُتَنَازِعَيْنِ الْآخَرَ فَحَكَمَ لنَفسِهِ أَو عَلَيْهِمَا جَازَ وَمضى مَا لَك يكن جورا وَلَيْسَ لتحكيم خصما الْقَاضِي لِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ أَشْدُّ تَصَوُّنًا عَنْ أَنْسَابِ الرَّيْبِ وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ حَكَّمَا امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا أَوْ مَسْخُوطًا مَضَى لِأَنَّهُ حَقٌّ يخْتَص بهما قُلْنَا التَّصَرُّفُ فِيهِ وَالْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا الصَّبِي وَالنَّصْرَانِيّ وَالْمَعْتُوه والمسوس فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ أَصَابُوا لِتَنَاوُلِ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ وَمَنَعَ سَحْنُونٌ الصَّبِيَّ وَالْمَرْأَةَ وَالْمَسْخُوطَ وَالْكَاتِبَ وَالذِّمِّيَّ وَأَبْطَلَ حُكْمَهُمْ وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَحكم أَحدهمَا دون الآخر لم يجز وقاطبع إِذَا حَكَمَا دُونَ الْبُلُوغِ جَازَ حُكْمُهُ إِذَا عقل وَعلم فِيهِ غُلَامٍ لَمْ يَبْلُغْ لَهُ عِلْمٌ بِالسُّنَّةِ وَالْقَضَاءِ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ أَصْبَغُ لَا أُحِبُّ تَحْكِيمَ خَصْمِ الْقَاضِي فَإِنْ وَقَعَ مَضَى ذَلِكَ وَيُذْكَرُ فِي حُكْمِهِ رِضَاهُ بِالتَّحْكِيمِ إِلَيْهِ وَهَذِهِ النُّقُولُ كُلُّهَا دَائِرَةٌ عَلَى مُشَابَهَةِ التَّحْكِيمِ لِلْقَضَاءِ يُشْتَرَطُ جَمِيعُ الشُّرُوطِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الْقَضَاءِ أَوْ يُلَاحَظُ خُصُوصُ الْوِلَايَةِ دُونَ عُمُومِهَا أَوْ كَوْنُهُ مُخْتَصًّا بِمُعَيَّنٍ. فرع: قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ سَحْنُونٌ إِذَا حَكَمَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ مِنْ أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ نُقِضَ حُكْمُهُ وَيُنْهَى عَنِ الْعَوْدَةِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَتَلَ أَوِ اقْتَصَّ أَوْ ضَرَبَ الْحَدَّ أَدَّبَهُ السُّلْطَانُ وَأَمْضَى حُكْمَهُ وَبَقِيَ الْمَحْدُودُ مَحْدُودًا وَالْمُلَاعِنُ مَاضِيًا قَالَ اللَّخْمِيُّ أَوْ أمكن من نَفسه أضربي خدك أَوْ خُذْ قَوَدَكَ لَمْ يَصْلُحْ إِلَّا بِالْإِمَامِ وَكَذَلِكَ النَّفْسُ وَأَمَّا الْجِرَاحُ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَيِّدَ مِنْ نَفْسِهِ إِنْ كَانَ نَائِبًا عَنِ الْإِمَامِ. فرع: قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا حَكَّمَاهُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عِنْدَهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا رُجُوعٌ إِذَا أَبْلَى ذَلِكَ صَاحِبَهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ وَجَبَ بِرَاحَتِهِ مِنْ نَظَرِ الْقُضَاةِ وَلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَهُ ح وَعَنْ سَحْنُونٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَمْضِ الْحُكْمُ كَالْوَكَالَةِ وَقَالَ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ لَا يَلْزَمُهُمَا الْحُكْمُ إِلَّا برضاهما لَيْلًا يكون ذَلِك عزلا للقضاة وافتيانا عَلَيْهِمْ لِأَنَّ رِضَاهُمَا مُعْتَبَرٌ ابْتِدَاءً فَاعْتُبِرَ فِي اللُّزُومِ قِيَاسًا لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَشِبَّا فِي الْخُصُومَةِ أَوْ يُوكِلْ وَكِيلًا أَوْ يَعْزِلْهُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا كَانَ قَبْلَ أَن يعاقد صَاحبه أَو بعد مَا قَاسَمَهُ الْخُصُومَةَ تَنْبِيهٌ قَالَ اللَّخْمِيُّ إِنَّمَا امْتَنَعَ التَّحْكِيمُ فِي تِلْكَ الْأُمُورِ لِأَنَّ فِيهَا حَقًّا لِغَيْرِ الْخَصْمَيْنِ إِمَّا لِلَّهِ تَعَالَى كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ أَو لآدَمِيّ وَهُوَ الْوَلَدُ فِي اللِّعَانِ وَفِي النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ حَقًّا لِمَنْ يَأْتِي بَعْدُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْكُمَ بَعْدَ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأُمُورِ وَلَوْ رُفِعَ ذَلِكَ لِمَنْ نُصِبَ لِلنَّاسِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَرَفْعِ يَدِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَحْرُمُ رِضَا الزَّوْجَةِ بِالْبَقَاءِ مَعَه وضا الْعَبْدِ بِالرِّقِّ فَإِنْ حَكَمَ بِالْفِرَاقِ وَالْعِتْقِ وَلَمْ يَرَ الْآخَرُ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ إِبَاحَةُ الزَّوْجَةِ لغير ذَلِك للزَّوْج وَإِن لَا يَجْرِيَ الْعَبْدُ عَلَى أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالشَّهَادَاتِ قَالَ وَأَرَى إِذَا فَاتَ ذَلِكَ بِالْعَصَبَةِ أَنْ يَرْفَعَ الْأُمُورَ إِلَى الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ فِعْلُ الْأَوَّلِ حَقًّا أَمْضَاهُ وَإِلَّا رَدَّهُ وَلَا يَكْفِي يَعْنِي الْخَصْمَيْنِ حَتَّى يُكْشَفَ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الخمي يُشْتَرَطُ فِي تَحْكِيمِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ الْآخَرَ أَنْ يَكُونَ الْمُحَكَّمُ عَدْلًا وَمِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ أَوْ عاميا يسترشد الْعلمَاء والإشتراط هَاهُنَا أَشَدُّ لِوُقُوعِ الْخَطَرِ أَكْثَرَ. .الْوِلَايَةُ السَّادِسَةُ وِلَايَةُ الْكَشْف عَن التظالم: فرع: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا ظَهَرَ كِتَابٌ فِيهِ شُهُودٌ مُعَدَّلُونَ حَاضِرُونَ فَلَهُ الْإِنْكَارُ عَلَى الْجَاحِدِ بِحَسَبِ شَوَاهِدِ أَحْوَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُعَدَّلِينَ أَوْ أَحْضَرَهُمْ وسير أَحْوَالَهُمْ فَإِنْ وَجَدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الصِّيَانَاتِ قَبِلَهُمْ أَو أَرَادَ أَن لَا يُعَوِّلَ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ يُوَلِّي الْإِرْهَابَ عَنِ الْخَصْمِ وَيَسْأَلُهُ مَا سَبَبُ وَضْعِ يَدِهِ أَوْ مُتَوَسِّطِينَ فَلَهُ إِحْلَافُهُمْ قَبْلَ الشَّهَادَةِ وَبَعْدَهَا فَإِنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ شُهُودٌ مَوْتَى يُعَدَّلُونَ وَالْكِتَابُ مَوْثُوقٌ بِصِحَّتِهِ فَيُرَهِّبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَضْطَرَّهُ لِلصِّدْقِ وَيَسْأَلَهُ عَنْ دُخُولِ يَدِهِ لَعَلَّ فِي جَوَابِهِ مَا يُوَضِّحُ الْحَقَّ بِكَشْفٍ مِنَ الْجِيرَانِ فَإِن لم يَتَّضِح مَعَ هَذَا كُلِّهِ رَدَّهُ إِلَى وَسَاطَةِ رَئِيسٍ مُطَاعٍ لَهُ بهما معرفَة وَبِمَا يتنازعاه لِيَضْطَرَّهُمَا بِكَثْرَةِ التَّرَدُّدِ إِلَى الصِّدْقِ وَالصُّلْحِ فَإِنْ تَعَسَّرَ أَمْرُهُمَا ثَبَتَ بِمَا يُوجِبُهُ حُكْمُ الْقُضَاةِ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي خَطُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنِ اعْتَرَفَ بِخَطِّهِ سَأَلَهُ عَنْ صِحَّةِ مَضْمُونِهِ فَإِنِ اعْتَرَفَ أَلْزَمُهُ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِصِحَّةِ مَضْمُونِهِ فَقِيلَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِخَطِّهِ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ حَالٍ وَالْمُحَقِّقُونَ قَالُوا بَلْ يَسْأَلُهُ فَإِنْ قَالَ هُوَ فَرْضٌ وَمَا قَبَضْتُهُ فَيُقَوِّي الْإِرْهَابَ ثُمَّ يُرَدُّ لوساطة فَإِنِ انْفَصَلَا وَإِلَّا فَحُكْمُ الْقُضَاةِ فَإِنْ أَنْكَرَ الْخَطَّ أَمَرَ بِمَنْ يَخْتَبِرُ الْخَطَّ بِخُطُوطِهِ الَّتِي كتبهَا وتكلفها مِنْ كَثْرَةِ الْكِتَابَةِ وَيُمْنَعُ مِنَ التَّصَنُّعِ فِيهَا فَإِنْ تَشَابَهَتْ بِخَطِّهِ حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ الْخَطَّ اعْتِرَافًا وَلَا مَنْ يَرَى ذَلِكَ يَرَى كَثْرَةَ الْإِرْهَابِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ خَطُّهُ مُنَافِيًا رَجَعَ الْإِرْهَابُ عَلَى الْمُدَّعِي ثُمَّ يُرَدَّانِ إِلَى الْوَاسِطَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ أَتَى بِحِسَابٍ يَتَضَمَّنُ الدَّعْوَى وَهُوَ حِسَابُ الطَّالِبِ وَهُوَ مُنْتَظِمٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَيُرَهِّبُ بِحَسَبِ شَوَاهِدِ الْحَالِ ثُمَّ يُرَدَّانِ لِلْوَاسِطَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَظِمٍ طَرَحَهُ أَوْ حِسَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى خَطِّهِ يَسْأَلُ أَهْوَ خَطُّكَ فَإِنِ اعْتَرَفَ سُئِلَ عَنْ صِحَّةِ مَضْمُونِهِ فَإِنِ اعْتَرَفَ أَلْزَمَهُ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ صِحَّتَهُ وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ خَطُّهُ فَقِيلَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخَطِّ بَلِ الثِّقَةُ بِهِ أَقْوَى مِنَ الْخَطِّ الْمُرْسَلِ لِأَنَّ الْحِسَابَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ قَبْضُ مَا لَمْ يُقْبَضْ بِخِلَافٍ وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْخَطِّ وَلَا بِالْحِسَابِ بل الإرهاب وَالرَّدّ إِلَى الْوَاسِطَة إِلَى حُكْمِ الْقُضَاةِ وَإِنْ كَانَ الْحِسَابُ مَنْسُوبًا إِلَى خَطِّ كَاتِبِهِ سُئِلَ عَنْهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ كَاتِبِهِ فَإِنْ أَنْكَرَ سُئِلَ كَاتِبُهُ وَأُرْهِبَ فَإِنْ أَنْكَرَ ضَعُفَتِ الشُّبْهَةُ وَإِنْ أَقَرَّ صَارَ شَاهِدًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا يُقَوِّي الدَّعْوَى فَإِنِ اقْتَرَنَ بِالدَّعْوَى مَا يَضْعِفُهَا وَهُوَ إِمَّا كِتَابٌ يُعَارِضُهَا شُهُودُهُ وَحُضُورُ مُعَدَّلُونَ فَيُرَهَّبُ الْمُدَّعِي بِحَسَبِ حَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالدَّعْوَى مَا يُقَوِّيهَا وَلَا مَا يُضْعِفُهَا لَكِنْ حَصَلَتْ غَلَبَةُ ظَنٍّ صُدِّقَ الْمُدَّعِي مَعَ خُلُوِّهِ عَنْ حجَّته بِأَن يكون مستعلانا قَلِيل وَالْمُدَّعِي ذَا باس وقدرة وَقد ادّعى عَلَيْهِ غصب عقار وَمثله لَا يغْضب مِثْلَ هَذَا أَوْ يَكُونُ الْمُدَّعِي مَشْهُورًا بِالصِّدْقِ وَخَصْمُهُ بِخِلَافِهِ أَوْ يَسْتَوِيَانِ فِي الْأَحْوَالِ غَيْرَ أَنَّهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ وَيَسْأَلُهُ عَنْ سَبَبِ دُخُولِ يَدِهِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمَارَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى إِلَّا بَعْدَ ذِكْرِ السَّبَبِ كَمَا قَالَه مَالِكٌ فِي الْقَضَاءِ وَيُبَالِغُ فِي الْكَشْفِ حَتَّى يظْهر الْحق فَإِن اسْتَوَت الْحَالَانِ فِي الظُّنُونِ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْغِلَظِ وَالْإِرْهَابِ وَالْكَشْفِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرِ الْحَقُّ رُدَّ إِلَى الْوَاسِطَةِ فَإِنِ انْفَصَلَا وَإِلَّا فَحُكْمُ الْقُضَاةِ. فرع: قَالَ إِذَا رُفِعَتِ الْجَرَائِمُ كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَى وَنَحْوِهِمَا لِقَاضٍ لَمْ يَسْمَعْ لَا يُحْبَسُ الْمُتَّهَمُ بِكَشْفِ اسْتِبْرَاءٍ وَلَا يَأْخُذُهُ بِأَسْبَابِ الْإِقْرَارِ إِجْبَارًا وَلَا يَسْمَعُ الدَّعْوَى إِلَّا مُحَرَّرَةً بِشُرُوطِهَا وَإِلَّا فَيَرْوِي الْأَحَادِيثَ امْتَازَ عَلَى الْقُضَاةِ بِتِسْعَةِ أَوْجُهٍ فَيَسْمَعُ قَذْفَ الْمُتَّهَمِ عَلَى أَعْوَانِ الْإِمَارَةِ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقِ الدَّعْوَى الْمُفَسَّرَةِ وَيَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِمْ هَلْ هُمْ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ التُّهْمَةِ أَمْ لَا فَإِنْ نَزَّهُوهُ أَطْلَقَهُ أَوْ قَذَفُوهُ بَالِغَ فِي الْكَشْف بِخِلَاف الْقُضَاة شَوَاهِدَ الْحَالِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ بِالزِّنَا مُتَصَنِّعًا للنِّسَاء أَو بِالسَّرقَةِ من أهل الزعارة وَلَيْسَ ذَلِك للقضاة يعجل حَبْسَ الْمُتَّهَمِ شَهْرًا لِلْكَشْفِ أَوْ يَحْبِسُ مَا يَرَاهُ بِخِلَافِ الْقُضَاةِ وَيَجُوزُ لَهُ مَعَ قُوَّةِ التُّهْمَةِ ضَرْبُ الْمُتَّهَمِ ضَرْبَ تَعْزِيرٍ لَا ضَرْبَ حَدٍّ لِيَصْدُقَ فَإِنْ أَقَرَّ وَهُوَ مَضْرُوبٌ اخْتُبِرَتْ حَالُهُ فَإِنْ ضُرِبَ لِيُقِرَّ فَلَا يُعْتَبَرُ إِقْرَارُهُ تَحْتَ الضَّرْبِ أَوْ لِيُصَدَّقَ وَأَعَادَ إِقْرَارَهُ بَعْدَ الضَّرْبِ أَخَذَ بِالْإِقْرَارِ الثَّانِي وَيَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ مَعَ كَرَاهَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقُضَاةُ وَلَهُ فِيمَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الْجَرَائِمُ وَلَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحُدُودِ اسْتِدَامَةُ حَبْسِهِ إِذَا أَضَرَّ النَّاسَ بِجَرَائِمِهِ حَتَّى يَمُوت وَيَقُوتُهُ وَيَكْسُوهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْقُضَاةِ وَلَهُ إِحْلَافُ الْمُتَّهَمِ لِاخْتِبَارِ حَالِهِ وَيَمْلُكُ عَلَيْهِ الْكَشْف عَن أمره ويحلفه بِالطَّلَاق وَالصَّدَََقَة والعناق كَأَيْمَانِ بَيْعَةِ السُّلْطَانِ وَلَا يُحَلِّفُ قَاضٍ أَحَدًا فِي غَيْرِ حَقٍّ وَلَا يُحَلِّفُ إِلَّا بِالْيَمِينِ بِاللَّهِ وَلَهُ أَخْذُ الْمَحْكُومِ بِالتَّوْبَةِ قَهْرًا وَيُظْهِرُ لَهُ مِنَ الْوَعِيدِ مَا يَقُودُهُ إِلَيْهَا طَوْعًا وَيَتَوَعَّدُهُ بِالْقَتْلِ فِيمَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقَتْلُ لِأَنَّهُ إِرْهَابٌ لَا تَحْقِيقٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُحَقِّقَ وَعِيدَهُ بِالْأَدَبِ دُونَ الْقَتْلِ بِخِلَافِ الْقُضَاةِ وَلَهُ سَمَاعُ شَهَادَاتِ أَهْلِ الْمِهَنِ وَمَنْ لَا يَسْمَعُهُ الْقَاضِي إِذَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ وَلَهُ النَّظَرُ فِي الْمُوَاثَبَاتِ وَإِنْ تُوَجَّبَ غَرْبًا وَلَا حَدًّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَثَرٌ سُمِعَ قَوْلُ مَنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى أَوْ بِهِ أَثَرٌ فَقِيلَ يُسْمَعُ أَوَّلًا وَلَا يُرْعَى السَّبْقُ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى سَماع السَّابِق أَولا والمبتديء بِالْمُوَاثَبَةِ أَعْظَمُ جُرْمًا وَتَأْدِيبًا وَيَخْتَلِفُ تَأْدِيبُهُمَا بِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْجُرْمِ وَبِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْهَيْئَةِ وَالتَّصَوُّنِ وَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي قَمْعِ السَّفَلَةِ إِشْهَارَهَا بِجَرَائِمِهَا فَعَلَ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ التِّسْعَةُ يَقَعُ بِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْجَرَائِمِ وَيَسْتَوُونَ بَعْدَ ثُبُوتِهَا فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ. قَاعِدَةٌ: يُقَدَّمُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِصَلَاحِهَا فَيقدم فِي الحروب من هُوَ أعلم بسياسة الْجُيُوشِ وَمَكَائِدِ الْحُرُوبِ وَفِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِالْأَحْكَامِ وَوُجُوهِ الْحِجَاجِ وَفِي الْأَيْتَامِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِقِيمَةِ الْمَالِ وَاسْتِصْلَاحِ الْأَطْفَالِ وَفِي إِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَأقرب للشفاعة بِدِينِهِ وَوَرَعَهُ وَقَدْ يَكُونُ الْمُقَدَّمُ فِي بَابٍ مُؤَخَّرًا فِي بَابٍ كَالنِّسَاءِ مُقَدَّمَاتٍ فِي الْحَضَانَةِ وَمُؤَخَّرَاتٍ فِي الْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ لِأَنَّ تَزَيُّدَ شَفَقَتِهِنَّ وَصَبْرِهِنَّ يَقْتَضِي مَزِيدَ صَلَاحِهِنَّ لِلْأَطْفَالِ وَمَصَالِحِ الْعِيَالِ فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُقَدِّمُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوِلَايَاتِ عَلَى تَبَايُنِهَا مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِهَا. قَاعِدَةٌ: الْمَصَالِحُ ثَلَاثَةٌ وَاقِعٌ فِي مَوَاقِعِ الضَّرُورَاتِ وَفِي الْحَاجَاتِ وَفِي التَّتِمَّاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكتاب فَاشْترط الْعَدَالَةِ ضَرُورِيٌّ فِي الشُّهُودِ صَوْنًا لِلدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ عَنْ كَذِبِ أَرْبَابِ الْأَمْرِ أَوْ فِي الْإِمَامَةِ حَاجَةٌ لِأَنَّهَا شَفَاعَةٌ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى صَلَاحِ حَالِ الشَّفِيعِ عِنْدَ الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ وَتَتِمَّةٌ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ صَوْنًا لِلْحَرَائِرِ عَن الْوَضع فِي المواطن الدنية وَلَا يُضْطَرُّ إِلَيْهَا لِأَنَّ حَالَ الْقَرَابَةِ يَمْنَعُ مِنَ الْإِضْرَارِ وَالرَّمْيِ فِي الْعَارِ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ اشْتُرِطَتِ الْعَدَالَةُ فِي الْوِلَايَاتِ وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا بَعْضُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى لِغَلَبَةِ الْفُسُوقِ عَلَى وُلَاتِهَا فَلَوِ اشْتُرِطَتْ لَتَعَطَّلَتِ التَّصَرُّفَاتُ الْمُوَافِقَةُ لِلْحَقِّ فِي تَوْلِيَةِ مَنْ يُوَلُّونَهُ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ وَأَخْذِ مَا يَأْخُذُونَهُ وَبَذْلِ مَا يُعْطُونَهُ وَفِي هَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ أَفْظَعُ مِنْ فَوَاتِ عَدَالَةِ السُّلْطَانِ وَلَمَّا كَانَ تَصَرُّفُ الْقُضَاةِ أَعَمَّ مِنْ تَصَرُّفِ الْأَوْصِيَاءِ وَأَخَصَّ مَنْ تَصَرُّفِ الْأَئِمَّةِ اخْتُلِفَ فِي إِلْحَاقِهِمْ بِهِمْ أَوْ بِالْأَوْصِيَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِي عَدَالَة الْوَصِيّ وَإِذا نفذت تَصَرُّفَات الْبُغَاة من الْقطع بِعَدَمِ وَلَا يتهم فَأَوْلَى نُفُوذُ تَصَرُّفَاتِ الْوُلَاةِ وَالْأَئِمَّةِ مَعَ غَلَبَةِ الْفُجُورِ عَلَيْهِمْ مَعَ نُدْرَةِ الْبُغَاةِ وَعُمُومِ الضَّرُورَةِ لِلْوُلَاةِ قَاعِدَةٌ كُلُّ مَنْ وُلِّيَ وِلَايَةَ الْخِلَافَةِ فَمَا دُونَهَا إِلَى الْوَصِيَّةِ لَا يُحَالُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ إِلَّا بِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءِ مفْسدَة لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ أُمَّتِي شَيْئًا ثُمَّ لَمْ يَجْهَدْ لَهُمْ وَلَمْ يَنْصَحْ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا باللتي هِيَ أحسن} وَكَذَلِكَ عِنْدَ ش لَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ صَاعًا بِصَاعٍ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ عَزْلُ الْحَاكِمِ إِذَا ارْتَابَ فِيهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الربية وَيَعْزِلُ الْمَرْجُوحَ عِنْدَ وُجُودِ الرَّاجِحِ تَحَيُّلًا لَمَزِيدِ الْمَصْلَحَةِ وَاخْتُلِفَ فِي عَزْلِ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ بِالْآخَرِ فَقيل يمْتَنع لِأَنَّهُ لَيْسَ أصلح للأئمة وَقيل وَلِأَنَّهُ يُؤْذِي الْمَعْزُول بِالْعَزْلِ واتهم مِنَ النَّاسِ وَلِأَنَّ تَرْكَ الْفَسَادِ أَوْلَى مِنْ تَحْصِيلِ الصَّلَاحِ لِلْمُتَوَلِّي وَأَمَّا الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ فَيجوز لَهُ ذَلِكَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ حَصَلَتِ الْمَصْلَحَةُ أَمْ لَا وَلَا يُشْكِلُ بِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا هَذَا من الْحجر عَلَيْهِ بِالرشد لأَنا لَا نحجر بِمن تعرض عَن الْمصلحَة يقف كَانَ بَلْ ضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ لَمْ يَسْتَجْلِبْ بِهِ حَدًّا شَرْعِيًّا وَقَدْ تكَرر مِنْهُ فَإِنَّهُ يحْجر عَلَيْهِ فللقيد الثَّانِي احترارا مِنِ اسْتِجْلَابِ حَدِّ الشِّرَاءِ وَالْمَضَاجِرِ وَالثَّالِثِ احْتِرَازًا عَمَّنْ رَمَى دِرْهَمًا فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ مِنْهُ تَكَرُّرًا يَدُلُّ عَلَى سَفَهِهِ فَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَتَخَرَّجُ اخْتِلَافُ الْأَحْكَامِ فِي الْخُصُومِ وَالْمُتَّهَمِينَ وَالْجَرَائِمِ وَغَيْرِهَا. قَاعِدَةٌ: التَّكَالِيفُ قِسْمَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ فَالْعَامُّ كَالصَّلَاةِ وَالثَّانِي كَالْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ وَتَوْلِيَةِ الْقُضَاةِ وَنَحْوِهِ فَهَذَا خَاصٌّ بِالْأَئِمَّةِ وَنُوَّابِهِمْ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ فَإِنْ فَرَّطُوا فِيهِ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابَة الْمُسَمّى بالغياثي إِنْ شَغَرَ الزَّمَانُ عَنِ الْإِمَامِ انْتَقَلَتْ أَحْكَامُهُ إِلَى أَعْلَمِ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الدَّلِيلِ اسْتَوَى النَّاسُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ يُؤَدِّي للتشاجر خُصَّ بِهِ أَفْضَلُهُمْ وَهُوَ الْإِمَامُ فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ انْتَقَلَ لِأَعْلَمِهِمْ دَفْعًا لِلْمَفَاسِدِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ عَلِمَ أَتَمَّ الطَّرِيقِ فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّعَدِّي عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ فِيمَا فُوِّضَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَمْرِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَعْنِي وُلَاةَ الْأُمُورِ بَذْلُ الِاجْتِهَادِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ من أَمْوَال الغائبين وَالصبيان والمجانين وَنسَاء وَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِينَ وَالْمُبَذِّرِينَ وَالتَّحَرِّي فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِالْخِيَانَةِ وَالتَّصَرُّفِ وَقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَالزَّكَاةِ وَذَلِكَ كَثِيرٌ يُعْرَفُ فِي مَوَاضِعِهِ. تَمْهِيدٌ: مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّوْسِعَةِ فِي أَحْكَامِ وُلَاةِ الْمَظَالِمِ وَأُمَرَاءِ الْجَرَائِمِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ بَلْ تَشْهَدُ لَهُ الْقَوَاعِدُ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْفَسَادَ قَدْ كَثُرَ وَانْتَشَرَ بِخِلَافِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ اخْتِلَافُ الْأَحْكَامِ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عَنِ الشَّرْعِ بِالْكُلِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ وَتَرْكُ هَذِهِ الْقَوَانِينِ يُؤَدِّي إِلَى الضَّرَرِ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ جَمِيعُ النُّصُوصِ الْوَارِدَة بِنَفْي الْحَرج وَثَانِيهمَا أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْمُرْسَلَةَ قَالَ بِهَا مَالِكٌ وَجَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَهِيَ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي لَمْ يَشْهَدِ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهَا وَلَا بِإِلْغَائِهَا وَهَذِهِ الْقَوَانِينُ مَصَالِحُ مُرْسَلَةٌ فِي أَقَلِّ مَرَاتِبِهَا وَثَالِثُهَا أَنَّ الشَّرْعَ شَدَّدَ فِي الشَّهَادَةِ أَكْثَرَ مِنَ الرِّوَايَةِ لِتَوَهُّمِ الْعَدَاوَةِ فَاشْتَرَطَ الْعَدَدَ وَالْحُرِّيَّةَ وَوَسَّعَ فِي السَّلَمِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ الْمُسْتَثْنَاةِ لِمَزِيدِ الضَّرُورَةِ وَلَمْ يَقْبَلْ فِي الزِّنَى إِلَّا أَرْبَعَةً وَقَبِلَ فِي الْقَتْلِ اثْنَيْنِ وَالدِّمَاءُ أَعْظَمُ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ السّتْر وَلم يحرج الزَّوْج الملا عَن فِي الْبَيِّنَةِ خَيْرٌ فِي أَيْمَانِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدٌّ بِذَلِكَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْقَذَفَةِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ فِي الذَّبِّ عَنِ الْأَنْسَابِ وَصَوْنِ الْعِيَالِ وَالْفُرُشِ عَنْ أَسْبَابِ الِارْتِيَابِ وَهَذِهِ الْمُبَايَنَاتُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرْع لاخْتِلَاف الْأَحْوَال فَذَلِك يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَ اخْتِلَافَ الْأَحْوَالِ فِي الْأَزْمَانِ فَتَكُونَ الْمُنَاسَبَةُ الْوَاقِعَةُ فِي هَذِهِ الْقَوَانِينِ مِمَّا شَهِدَتِ الْقَوَاعِدُ لَهَا بِالِاعْتِبَارِ فَلَا تَكُونُ مُرْسَلَةً بل عل رُتْبَةً فَتَلْحَقُ بِالْقَوَاعِدِ الْأَصْلِيَّةِ وَرَابِعُهَا أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ فِي هَذِهِ الْقَوَانِينِ وَرَدَ دَلِيلٌ يَخُصُّهُ كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَتِهِ وَجَدَ رَجُلًا اتَّهَمَهُ بِأَنَّهُ جَاسُوسٌ لِلْعَدُوِّ فَعَاقَبُوهُ حَتَّى أَقَرَّ وَأَمَّا قَبُولُ قَوْلِ المستورين فَهُوَ الْوَاقِعُ فِي تَقْلِيدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَقَالَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا مَجْلُودًا فِي حَدٍّ أَوْ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ أَوْ نَسَبٍ وَقَدْ أَخَذَ بِهَذَا ح وَأثبت الحكم فِي الْقَضَاء بِهِ فَأَوْلَى فِي الْمَظَالِمِ وَالْجَرَائِمِ وَنَصَّ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ عَلَى أَنَّا إِذَا لَمْ نَجِدْ فِي جِهَةٍ إِلَّا غَيْرَ الْعُدُولِ أَقَمْنَا أَصْلَحَهُمْ وَأَقَلَّهُمْ فُجُورًا لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ وَيَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ لِيَلَّا تَضِيعَ الْمَصَالِحُ وَمَا أَظُنُّهُ يُخَالِفُهُ أَحَدٌ فِي هَذَا فَإِنَّ التَّكْلِيفَ مَشْرُوطٌ بِالْإِمْكَانِ وَإِذَا جَازَ نَصْبُ الشُّهُودِ فَسَقَةً لِأَجْلِ عُمُومِ الْفَسَادِ جَازَ التَّوَسُّعُ فِي أَحْكَامِ الْمَظَالِمِ وَالْجَرَائِمِ لِأَجْلِ كَثْرَةِ فَسَادِ الزَّمَانِ وَخَامِسُهَا أَنَّا لَا نَشُكُّ أَنَّ قُضَاةَ زَمَاننَا وشهودهم وولاتهم وأمنائهم لَوْ كَانُوا فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ مَا وُلُّوا وَلَا حرج وولايتهم حِينَئِذٍ فسوق ظن وَلِأَنَّهُم فَإِنَّ خِيَارَ زَمَانِنَا هُمْ أَرَاذِلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَوِلَايَةُ الْأَرَاذِلِ فُسُوقٌ فَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِىُّ أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا كَانَتْ نِسْبَةُ أَحَدِنَا إِلَيْهِمْ كَنِسْبَةِ الْبَقْلَةِ إِلَى النَّخْلَةِ وَهَذَا زَمَانُ الْحَسَنِ فَكَيْفَ زَمَانُنَا فَقَدْ حَسُنَ مَا كَانَ قَبِيحًا وَاتَّسَعَ مَا كَانَ ضَيِّقًا وَاخْتَلَفَتِ الْأَحْكَامُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْأَصْلِيَّةِ أَنَّ الشَّرْعَ وَسَّعَ لِلْمُوقِعِ فِي النَّجَاسَةِ وَفِي زَمَنِ الْمَطَرِ فِي طِينِهِ وَأَصْحَابِ الْقُرُوحِ وَجَوَّزَ تَرْكَ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا إِذَا ضَاقَتِ الْحَالُ عَنْ إِقَامَتِهَا وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَكَذَلِكَ قَالَ ش رَضِي الله عَنهُ ماضاق شَيْءٌ إِلَّا اتَّسَعَ يُشِيرُ إِلَى هَذِهِ الْمَوَاطِنِ فَكَذَلِكَ إِذَا ضَاقَ عَلَيْنَا الْحَالُ فِي دَرْءِ الْمَفَاسِدِ اتَّسَعَ كَمَا اتَّسَعَ فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ وَسَادِسُهَا أَنَّ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ بِعِبَادِهِ أَنْ يُعَامِلَهُمْ مُعَامَلَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ فَالطِّفْلُ لِضَعْفِ حَالِهِ يُغَذَّى بِاللَّبَنِ فَإِذَا اشْتَدَّ نُقِلَ إِلَى لَطِيفِ الْأَغْذِيَةِ فَإِذَا اشْتَدَّ نُقِلَ إِلَى غَلِيظِهَا فَإِنْ مَرِضَ عُومِلَ بِمُقْتَضَى مَرَضِهِ وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ فَأَوَّلُ بَدْءِ الْإِنْسَانِ فِي زَمَنِ آدَمَ كَانَ الْحَالُ ضَعِيفًا ضَيِّقًا فَأُبِيحَتِ الْأُخْتُ لِأَخِيهَا وَأَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ وُسِّعَ فِيهَا فَلَمَّا اتَّسَعَ الْحَالُ وَكَثُرَتِ الذُّرِّيَّةُ وَعَتَتِ النُّفُوسُ حُرِّمَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَحُرِّمَ السَّبْتُ وَالشُّحُومُ وَالْإِبِلُ وَأُمُورٌ كَثِيرَةٌ وَفُرِضَ عَلَيْهِمْ خَمْسُونَ صَلَاةً وَتَوْبَةُ أَحَدِهِمْ بِالْقَتْلِ لِنَفْسِهِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِقَطْعِهَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّشْدِيدَاتِ ثُمَّ جَاءَ آخِرُ الزَّمَانِ فهرمت الدُّنْيَا وَضعف الْجَسَد وَقل الحبيب ولان النُّفُوس أحلّت تِلْكَ الْمُحَرَّمَاتُ وَعُمِلَتِ الصَّلَوَاتُ خَمْسًا وَخُفِّفَتِ الْوَاجِبَاتُ فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْأَحْكَامُ وَالشَّرَائِعُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ وَظَهَرَ أَنَّهَا سُنَّةُ اللَّهِ فِي سَائِرِ الْأُمَمِ وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيَانًا عَلَى الِاخْتِلَافِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فِي زَمَانِنَا وَظَهَرَ أَنَّهَا مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَأُصُولِ الْقَوَاعِدِ وَلَمْ يَكُنْ بِدْعًا عَمَّا جَاءَ بِهِ الشَّرْع.
|